( المومس الفاضلة ) تثير ضجة في الشارع المصري

إلهام شاهين تنوي إعادة تقديم العرض المسرحي ( المومس الفاضلة )، المأخوذ عن نص للكاتب الفرنسي جان بول سارتر..

وشهدت الأيام التالية لذلك التصريح اعتراضات وتعليقات، وأيضاً طلب إحاطة برلماني موجه إلى وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم؛ بسبب اسم النص الذي تنوي إلهام شاهين إعادة تقديمه، كل هذه الضجة حدثت بسبب لفظ “مومس” واقترانه بلفظ الفاضلة في العنوان.

عام 1946م قدَّم الفيلسوف الفرنسي سارتر مسرحية «المومس الفاضلة»، والتي اعتمد فيها على حبكة تناقضية فاضحة للعورات المجتمعية، تنبع من اتهام رجل أسود باغتصاب عاهرة بيضاء في ولاية ألاباما، وهي الأحداث التي اتَّخذها واجهة لسكب آرائه الفلسفية الوجودية المناهضة للعنصرية خلال الأحداث.

فالدليل الوحيد على براءة الرجل الأسود هو شهادة العاهرة «ليزي» التي قضت تلك الليلة مع فريد ابن عضو مجلس الشيوخ. ورغم ذلك تمتنع «ليزي» عن مساعدة الرجل الأسود «البريء» بعد هروبه من الشرطة وإلحاحه المتواصل عليها في إخبار الشرطة ببراءته.

تتردد المرأة البيضاء في مساعدة المتَّهم الأسود بسبب تعرضها لضغوط من فريد الذي يريد توريط الرجل الأسود في هذه التهمة، وطوال بقية أحداث المسرحية تتكرر تيمة «الأبيض – الأسود» بلا انقطاع تقريبًا.

وعرضت المسرحية في عام 1947، بعد ثلاث سنوات من رحلة سارتر إلى الولايات المتحدة، استوحاها من إحدى القضايا الأمريكية الشهيرة والتي عرفت باسم “Scottsboro- سكوتسبورو”، والتي وقعت أحداثها عام 1931.

وكان “سكوتسبورو بويز” تسعة مراهقين من ذوي البشرة السمراء متهمين باغتصاب امرأتين بيضاويتين البشرة على متن قطار بالقرب من سكوتسبورو في ألاباما عام 1931، وأثارت المحاكمات وإعادة المحاكمة المتكررة لفتيان سكوتسبورو ضجة دولية، وكانت تتراوح أعمار الشباب حينها بين 13 و19 عاماً، بحسب موقع “ذا هيستوري” المتخصص في التاريخ الأمريكي.

وفي الجولة الأولى من المحاكمات أُدين الشباب، وحكم على 8 منهم بالإعدام، ولكن لم يهدأ الرأي العام، وتولى الدفاع عنهم الجناح القانوني للحزب الشيوعي الأمريكي، وحاول تحفيز الرأي العام ضد العنصرية، وبالفعل تم إيقاف تنفيذ الإعدام بعد شهور لحين استئناف الحكم أمام محكمة ألاباما العليا، وتراجعت إحدى الفتاتين عن شهادتها فيما بعد وأدلت بالحقيقة واستمرت القضية لسنوات.

النص الأصلي تدور أحداثه في منزل البطلة “ليزي”، وهي عاهرة أمريكية يحاول أحد الزنوج إقناعها أن تدلي بالحقيقة، ويحاول أن يجعلها تشهد أمام القضاء لصالحه، ولكن تُمارس عليها الكثير من الضغوط لكي تشهد ضد الزنجي وبالفعل ترضخ للسيناتور بعد التلاعب بمشاعرها.

وترجم الدكتور عبد المنعم الحفني النص إلى اللغة العربية، وهو أكاديمي مصري يحمل درجة الدكتوراة في الفلسفة، تجاوزت أعمالة المائة والستين كتاباً معظمها من الموسوعات وأيضاً له الكثير من الترجمات.

وقال الحفني عن النص، في نهاية ترجمته: “هذا الكتاب يتضمن مسرحية من أحسن مسرحيات سارتر، وكل مسرحياته حسنة ولكن هذه المسرحية تتناول الشخصية الإنسانية من ناحية الأخلاق، واختيار سارتر شخصية المومس أو البغي لأن البغاء هو أسوأ ما يمكن أن يبتلي به المجتمع، أو تمتهنه المرأة، وسارتر لا يقدم أدباً إباحياً، وعلى العكس فإنه في كتاباته يبرز مسائل الواجب والالتزام، وكتبه كلها تدور حول الأخلاق”.

وأضاف الحفني: “في المومس الفاضلة نرى أنه يخصص من صنف المومسات هذه المومس التي تلتزم بالأخلاق وتأبى لذلك الشهادة الزور، ويستعطفها أصحاب السلطان في المجتمع أن تشهد على براءة الزنجي المتورط في جريمة قتل، ولكنها ترفض أن تشهد زوراً، وهم يستعطفونها ويحاولون رشوتها بالمال ولكنها تصر على قول الحق، ووكان المفكرون يظنون أن وجودية سارتر ضد الأخلاق، وأن الوجودية عموماً لا أخلاقية، ولكن هذه المسرحية أثبتت العكس، وأكدت أن الوجودية مذهب فلسفي ولا يمكن للفلسفة أن تكون إباحية”.

المومس الفاضلة على مسارح مصر منذ سنوات:-

عرضت المسرحية كما ذكرنا سابقاً في القرن الماضي من بطولة الفنانة سميحة أيوب، ولكن أيضاً يوجد بعض المخرجين الشباب حاولوا إعادة تقديمها مرات أخرى على خشبة المسرح المصري.

وضمن فاعليات المهرجان القومي للمسرح المصري عام ٢٠١٥، قُدم النص تحت اسم “فِراش إجباري”، للمخرج والمؤلف أحمد رجائي، وقال في تصريح خاص لـ”الشروق:

“لقد قمت بتغيير كبير في شخصية السيناتور، حيث إن النص الأصلي كان قائم على فكرة المتاجرة بإسم الأمة الأمريكية، وحولت هذه الشخصية إلى شخصية القسيس، مما جعل العرض قائم على المتاجرة باسم الدين، لأننا كنا في هذا الوقت ما زلنا نعاني من بواقي الجماعات التابعة للإخوان التي كانت تخوض حروبًا فكرية ضد الدولة المصرية محاولة تشوية أفكار جيل كامل بمعتقدات دينية ليس لها أي أساس من الصحة”.

وأضاف رجائي: “كان هذا التناول يثير الكثير من الأسئلة حول ظاهرة المتاجرة باسم الدين لخدم أغراض سياسية دنيئة، كما قامت بتقسيم ليزي في 3 صور، المومس، المتدينة، التائهة بين الإثنين، حتى يرمز هذا الصراع بداخلها إلى الصراع الفكري الناشب داخل عقول أغلب الشباب في هذا الوقت، وكان المنظر المسرحي عبارة عن غرفتها ولكنه كان يتغير بتغيير الإضاءة أحياناً كرسي التسريحة يصبح كرسي التحقيقات، البار يصبح منضدة اجتماعات كبار الدولة، الصليب الصغير المركون بإحدى زوايا غرفتها يصبح الكنيسة، السرير يصبح منصة الإعلام في تأكيد صريح على أن أمريكا بالكامل بهذه الأفكار ما هي إلا غرفة نوم مومس، ولم أقم بتمصير النص بل قدمتة بنفس شخصياته واحتفظت بلغته العربية ولكني استخدمت بعض الرموز المرئية واللفظية كي يتناسب مع القضية المتبناة في عرضي”.

ويجهز أحمد ثروت سليم، الطالب في معهد الفنون المسرحية، لتقديم العرض المسرحي “المومس الفاضلة” في المهرجان العالمي بالمعهد العالي للفنون المسرحية في شهر مارس 2022.

وقال سليم، لـ “الشروق “:

لم أغير من الأحداث أو مكانها أو زمانها، فهي كما ورد في النص الأصلي، ولكن أعدت صياغته درامياً، رؤيتي هي مناقشة مشاكل الشخصيات التي تنتمي إلى طبقة اجتماعية أقل وصراعاتها مع الطبقات الأعلى، قضيتي إنسانية سياسية تدور حول أن العهر في التفكير وليس الجسد وأن الشرف والنزاهة ليسوا حكراً على طبقة معينة”.

الجدير بالذكر أن كثير من الانتقادات منصبة كلياً على اسم النص، وأنه لا يصلح للمجتمع المصري، والخلاف بين الأخلاق والفن، أو الدين والفن، خلاف متكرر وقديم، تناوله كثير من المتخصصين بالنقد والشرح، من بينهم الدكتور حسن طلب في كتابه مصادرة الفن باسم الدين والأخلاق والسياسة.

يقول الدكتور حسن طِلب:

“الألفاظ والإيحاءات المكشوفة في الفن غير جارحة أخلاقياً على طول الخط وبصورة مطلقة، وليس هناك دليل أبلغ مما نراه في الأغاني الشعبية، حيث يستمع إليها الناس في المناسبات ويستمتعون دون حرج على الرغم مما قد يكون فيها من تعبيرات خادشة للحياء.. ولعلنا نلاحظ أن هناك انتشاراً للصور الجنسية والمشاهد المكشوفة في الأدب والفن المعاصرين في الغرب، غير أننا يجب أن نعلم أن هذا ليس سوى رد فعل ضد النفاق المبالغ فيه والاحتشام المتكلف في أثناء الحقبة الفيكتورية، وهذه على العموم ليست ظاهرة غربية خالصة، فالأدب المكشوف موجود في كل الثقافات، وخصوصا عندما تكون هذه الثقافات قد بلغت أوجها، وأصبحت على ثقة بنفسها وتسمح لها بأن تمنح الأديب أو الفنان عامة حريته في التعربي وتراثنا الأدبي في القرنين الثالث والرابع الهجريين دليل ناصع على هذا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مابين التفاهة والثقافة !! ( العقاد و شكوكو )

أكتوبر 10, 2023

ملحمة الخلق البابلية

أكتوبر 10, 2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *