كقلم رصاص، ينسى أن يموت

 

كتب : هوشنك أوسي

 

الرّيحُ

وهي تُهذِّبُ الشَّوارعَ، الأبوابَ المقفلة، والنّوافذَ المغلقة،

على قراءة الشِّعر قبل النّوم،

تهدِّدُ الأشجارَ بترحيلها إلى المهازل،

إذا بقتْ على حيادها.

لا تعفو أبدًا عمّا سَلف،

ولن تصفحَ أبدًا عن أيّ ذَنبٍ مُقترفٍ من غير قصد.

مُحرِّضُها حُزنُها.

سائِسُها عِشقُها.

يلينُ لها مجاز الأزمنةِ، ولا تلينُ.

يدينُ لها خيالُ الأمكنةِ بالطّاعة.

هكذا عَرفتُها؛ ريحًا تتلاعبُ بالموتِ في وضحِ العِشق.

هكذا عرفتْني؛ عاشقًا مقامرًا من زبد الطّيش وريشِ التّهورِ،

يرهنُ قلبهُ لدى أيّة امرأة عابرةٍ،

ويراهنُ على العمى قائدًا سديدًا، حِبرًا ودفترًا.

وكقلمٍ رصاص، ينسى أن يموت.

*

قبل انتحارها، عَرَضَتْ محطّة القطارِ أعمالها الكاملة،

مُقتنياتها، لوحاتها التّشكيليّة، للبيع.

خذلها ماضيها، وخانها غدُها.

تفاوضَ راهنُها مع عدوّها.

محطّةُ القطارِ لم تعادِ أحدًا،

لم تهادنْ.

رفضتِ الإحالة إلى التّقاعد، وتحويلها إلى متحف.

قبل مغادرتها الخرائط، لوّحت بيدها اليمنى إليّ.

لم تقل شيئًا. عيناها قالتا:

لا تتبع قطارًا فاتك.

لا تنتظرْ قطارًا لن يأتي.

لا تنسَ محطّة قطار، استقبلتَ أو ودّعتَ فيها عشيقة.

*

امرأةٌ من قطنٍ وكرز،

متراميةُ الخجل والتّعب،

ارتمتْ على سرير الوقت، كزورقِ يرتمي في عُبِّ العاصفة.

أفتحُ لها زجاجة نبيذٍ أحمر.

أغرسُ في عينيها النّاعستين، المتبقّيَ من شررِ انتظاري الأليم.

أغسلُ قدميها بالنّبيذ.

تحتشدُ حولي جرائمي.

تطالبني بالعدول عن توبتي

والعودة إلى مهنتي، بما يليقُ بقاتلٍ محترف، كنتُهُ.

الغيمُ وذراعاها، ونسائمُ الفجر،

اتَّفقت على قتلك، وتعليقك على أبوابِ منازلكَ التي لا حصر لها.

قالها ذكرُ اليومِ، ماسحًا دمعهُ بمنديل،

نسجتهُ امرأةٌ من قطنٍ وكرز، مكتوبٌ عليه:

كقلم رصاص، لا تنسَ أن تموت.

11/08/2022

أوستند

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عن الكتابة الرّوائيّة والشّعريّة أيضًا وأيضًا

أغسطس 23, 2022

جوائز الدولة حتى نطمئن

أغسطس 23, 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *