لا فائدة من حياكة ثوب ممزق قد ذابت خيوطه، و سكنه الوبر يستر و يؤدى الغرض، لكنه متهالك رقعته واضحة يدخلها الهواء فتنخر العظام، وتؤذي البدن كذلك الخذلان، وكثرة الأوجاع تترك الندوب في الصدور وتفتت أوتار القلوب. هكذا “سعاد” تلك الفتاة الرقيقة القوية من الذين يفيضون حبًا بلا حبيب شغفًا بالحب فقط تنزف ألمًا لجرحها العميق ولا أحد يعلم؛ تخدعك دائمًا بابتسامة طفولية وكأنها تريد أن تختبئ وراءها. في أواخر الثلاثين من عمرها خفق قلبها لزميل لها فى الجامعة طرق حبيبها الباب وبعدما تمت الخطبة أصبحت “سعاد” هي من تقوم بتجهيز نفسها لأنها المسؤولة عن العائلة أم وأخ وأخت مازالوا فى المرحلة الابتدائية لقد رفعت على كتفيها كل الأثقال التي لا تتحملها حتى الجبال، ولكنها سقطت عندما مرضت أمها. لم تستطع أن تصمد تركها حبيبها، و رحل فكانت الصفعة الكبرى لها، و لكنها بعد تفكير قالت إنه حبًا ناقصٌ مبتور . لا يستحق العناء كيف للحبيب أن يخذل، ويتخلى لم يكن حبًا كان وهمًا. أخذت نفسًا عميقًا وتنهدت، ثم عاهدت الله أنها لن تتخلى عن أمها ولا شقيقيها، فعملت على ماكينة خياطة، تجيد تصميم الملابس، والجميع يعلم ذلك؛ ليلًا بعد رجوعها من عملها في المؤسسة الحكومية تعمل و تعمل . ولكن ذات يوم حدث ما لم يكن في الحسبان، ما سيغير من حياتها أثناء غياب الأستاذ سيد، و ذهاب الأستاذ عبد الموجود لأداء صلاة الظهر . دخل المكتب شاب أربعيني، يرتدى حُلة أنيقة و ساعة تبدو من أرقى الماركات مظهره كهيئة رجال الأعمال. قال لها : كيف حالك أستاذة سعاد أريد أن أحدثك في موضوع قبل مجيء الأستاذ عبد الموجود وعليكِ أن تسمعي و لا اريد رد الأن. أنا صاحب شركة مقاولات البناء والتعمير، وأريد هذه المناقصة مهما كان الثمن لأنها ستفتح لي أبواب من الخير كثيرة أعلم ما تفكرين به الآن ؟ لماذا أنتِ ؟ اقول لكِ .. نحن نعلم كل شيء عنك وعن ماكينة الخياطة و والدتك المريضة وأخوتك نريد فقط منك معرفة أسعار الشركات الأخرى، وبهذا من الممكن أن نقلل السعر، ونفوز بالعرض، أرجو أن لا تكوني مثل أستاذ عبد الموجود، فتظنين أنها رشوة بل هذا سيكون مكسب تجاري يمكن أن يحقق لك الكثير، ويضمن دخول والدتك مستشفى بها عناية، تعلمين جيدًا حال مستشفيات التأمين أتريدين لأمك الموت؟ وأيضًا لا تكوني مثل أستاذ سيد أنه جبان ويخاف، ويكتفي باستعارة السجائر والبسكويت . رجعت سعاد إلى منزلها، وفي طريقها الجارة تلاحقها “أبلة سعاد أريد الانتهاء من فستاني اليوم وليس غدًا .” لم تولها اهتمامًا كانت شاردة تمامًا، دخلت المنزل، وفي انتظارها أحمد وعلا الصغيران قال أحمد “أبلة سعاد أريد حذاءً جديدًا فالهواء يداعب أصابعي من ثقوب القديم .” ثم قالت علا “وأنا لا أريد شيئًا فقط هي تتألم وتتوجع وتبكي من شدة الألم يا أبلة سعاد أمنا تحتاج أن تدخل المستشفى” صمتت سعاد ووضعت يدها على جبهتها تريد أن تصرخ، أن تبكي ولكن يمنعها حبها لأمها و شقيقيها . التقطت أنفاسها وفتحت حقيبة يدها وأخذت الهاتف واتصلت بصاحب شركة البناء والتعمير وقالت له “موافقة.” جاء اليوم الموعود وتعمدت سعاد تأخير الاستاذ عبد الموجود عن أخذ راتبه ليعطيها هي الظرف، و ترحل به وتكشف عن أسراره ولكن أعطاه لأستاذ سيد، فافتعلت الغضب، والخوف من أستاذ سيد وأخذته هي أثناء انشغال أستاذ سيد بالزائر الوسيم ذو المسبحة والجلباب . وذهبت بالظرف وهى ترتجف، وفي يدها الهاتف المحمول لتخبر صاحب الشركة بالأسعار، ودخلت إحدى الغرف وإذ بها تبدأ في الاتصال وفتح الظرف يحدث شيء. كلمات الوسيم صاحب المسبحة تتردد وتسمعها بقوة “اللهم إنا نسألك اللطف فيما قضيت والمعونة على ما أمضيت ونستغفرك من كل قول يعقبه الندم أو فعل تزل به القدم، ونسأل الله أن يرفع عنا كل شكوى ويكشف عنا كل بلوى، و يتقبل منا كل نجوى و يلبسنا لباس الستر والتقوى ويجعل جنة الفردوس لنا ولوالدينا، ولأهلينا و محبينا مقرًا و مأوى آٌمَيّن آمين آمين يا رب العالمين يارب نرتجيك يا الله أن تصنع لنا فرحًا يسعدنا دهرًا… وتهب لنا سعادة تديم ابتسامتنا عمرًا … و اخلق لنا راحة ﻻ نذق بعدها تعبًا….” “نعم إنه صوته يخترق أذني، وكأنه يحدثني يا الله لطفك بي يا الله وبأمي و إخوتى ما كنت أريد شيئًا لنفسي بل كل ما أرجوه أن أعالج أمى وعيشة كريمة لأحمد وعلا فى زمن أصبح فيه المقايضة على وزن رغيف الخبز أمرًا اقتصاديًا لن أفتح الظرف هذا قراري، وافوض أمري لك فأنت اللطيف كما يقول صاحب المسبحة” دخلت المكتب عليهما وهما مبتسمين حتى أستاذ عبد الموجود لا يبالى بالمرتب . ووجه يعلوه الفرح ويقول لها “أهلًا بعروستنا الحلوة” قالت سرًا .. “ما بال هؤلاء المجانين .” ثم تقرب صاحب المسبحة وعرفها بنفسه وقال” أستاذة سعاد هل تسمحي لي أن أعرفك بنفسي، أنا المهندس معتصم كنت فى المكتب المجاور لعمل سجل ضريبي من أجل تجهيز بعض الأوراق لشراء أجهزة جديدة للمستشفى الخيري التي نمتلكها أنا وأخوتي وكنت في حاجة لمحاسب لديه خبرة لمتابعة بعض أعمالي، وقابلت أستاذ سيد صدفة وقال لي طلبك عندي إنه أستاذ عبد الموجود من أصحاب الخبرات العالية، و يسعى لعمل إضافي كي يحسن أوضاعه المادية، ودخلت المكتب ورأيتك وسألت أستاذ سيد عنك و لِمَ أنتِ حزينة هكذا فقص عليَّ مرض والدتك وخذلان خطيبك وسر الندبات الموجودة في أناملك فعلمت أنها من ماكينة الخياطة، واكتشفت أيضًا كم أنتِ جميلة وقوية تصلحي لتكوني ملكة متوجة فاستخرت الله فيكِ وأخبرك سرًا لم أريدك زوجة لي بسبب كم أنتِ أصيلة ورقيقة وسند ولكن إنها إرادة الله اجتاحتي قلبي بنبضة صادقة انها الأرواح تتآلف نعم عندما تقر الروح وروحي سبقتني إليكِ هل تقبلين بي زوجًا؟” ابتسمت، والدموع تسقط من عينيها وقالت حقًا صدق الله في قوله “ولسوف يعطيك ربك فترضى” وأنا رضيت بك .