صفية الجيار تكتب عن الأعلى مبيعًا على أرفف دكاكين النشر وسط لافتات دور النشر الأصيلة

الأعلى مبيعًا

خدعة الصغار لوهم القُراء أنهم بين صفوف العمالقة،

وما هم إلا منافذ لبيع السلع رديئة الجودة، فقيرة

الأهداف، دفع كاتبها مسبقًا ثمن وضع اسمه

بالخط العريض على غلاف لم يكلف مصممه

سوى مد يده ميتة الحس في بعض الصور وانتقاء

ما هو رائج.. رسمة تثير الجدل، فنان تتهافت

الفتيات خلفه أو فاتنة ملائكية نزلت على الأرض

في غفلة من المبدعين..

وفي غضون نصف ساعة يدمج أشياء ليس لها

صلة ببعضها البعض لينتج غلاف يؤذي العين قبل

العقل، يعانق صفحات طبعت الأهوال بين سطورها

ليتكالب عليها محبون

المسلسلات الهابطة، المتسللين إلى الأدب من أبواب

الدكاكين التي تتوسط لافتات دور النشر.

لمعرفة حقيقة جملة الأعلى مبيعًا التي ثقبت الأعين

في منشورات العالم الأزرق سارق الفرص الحقيقية

ومقدمها لمن لا يستحق الأشهر الماضية، لا بد من

التعرف على آلية قبول ونشر الأعمال في بعض دور

النشر مؤخرًا “خاصة في مصر”

 الكاتب الحقيقي هو من كان يستطيع فرض اسمه

على الساحة سابقًا، ببساطة لأن التزاحم الذي سهلته

مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن موجودًا، أعداد قليلة

ومواهب يقف لها العقل احترامًا وقراء يقدرون القلم الحقيقي.

كانت كل خطوات إخراج العمل تكلف من المال والجهد

ما يدفع القائمون عليها لانتقاء الموهبة التي سيستثمرون

فيها أموالهم، والجمهور لم يكن يقصر في دعم كاتبه

المفضل لأن الدعاية مثلها مثل الأعمال تكلف من

الجهد والوقت ما يدفعهم لاختيار القلم الذي يستحق،

  الصحف والمجلات كانت تتولى عملية الدعاية للأعمال

الأدبية أما الآن كما ذكرت طفلًا في الخامسة عشرة

من عمره يمكنه تصميم أكثر من غلاف في اليوم الواحد،

عملية الدعاية انحسرت في هاتف بحجم كف اليد يمسكه

مهرج يصوغ الجمل عن الكاتب الذي لم يأتِ قبله ويبشر

القراءة بنبوءته كونه من سيغير خارطة الأدب في السنوات

القادمة، يساهم في جعل دعايته ناجحة نجاحًا غير مسبوق

جيوش من رواد “الفيس بوك” نجح الكاتب في حشدهم

بكتابات معظمها مسروق من الدراما.

أما عن عملية الإخراج الداخلي فهي تتناسب تمامًا مع

مستوى العمل وكاتبه وقارئه، فرد لا يمكنه التفرقة بين

الهاء والتاء المربوطة يكتب في ملف تعريفه الشخصي

“المدقق اللغوي” “مقدم الورشة الأدبية الخزعبلية”

“الأستاذ  الذي يضمن لك الدرجات الكاملة في امتحان الكتابة”

وإن بحثنا في تاريخه الدراسي سنجد صدمة العمر،

يتولى عملية المراجعة والتدقيق ليترك لنا همزات

ونقاط مفقودة، أمام القارئ وسيلتين للعثور عليهم

إما الإمساك بقلمه وكتابة ما عجز عقل أشباه المدققين

اللغويين عن تعلمه أو مسايرة الواقع الأليم وقتل ذائقته الأدبية.

بالوصول إلى مرحلة التنسيق الداخلي للملف

لا بد من أن نلتقط أنفاسنا على مهل استعدادًا

لما هو قادم، إهانات لا حصر لها في الملف،

سطور مائلة، خطوط مؤذية للعين، الفصول

الأخيرة تسبق الأولى، فينتهي الأمر بالقارئ

إلى لعبه القط والفأر مع العمل إلى أن يسأم

منه ويلقيه في أقرب مكب نفايات يليق به.

في مطبخ الطباعة يتم تحضير السم المدسوس

في طبق كان قديمًا يمثل الوجبة الرئيسية

للمثقفين، حيث تتم طباعة عدد ضئيل من

النسخ يبرهن جملة الأعلى مبيعًا، في الأعوام

السابقة كنا نسمع عن الخمسين نسخة أو المائة

نسخة لكن هذا العام، هذا اليوم تحديدًا قرأت جملة

العشر نسخ، وهنا وقفت أمام الجملة لأقول “إلى هذا الحد وكفى”

 المعرض وآه من معرض الكتاب وما يقدمه لنا

من أضحوكات تشوه الصورة التي كتبها الكبار

بحروف من ذهب، من ضمن منفذي جريمة وأد

المواهب الحقيقية قبل ولادتها هو معرض الكتاب،

الواجهة البراقة التي يلهث خلفها الجميع، الكتاب

وأشباههم، دور النشر والدكاكين ومنافذ البيع،

معرض الكتاب هو الطبق الذي يتم تقديم فيه

الوجبة المسممة للقراء، الوقوف أمام

أجنحة دور النشر هو الذي يدفع البعض لدفع ثمن

هذه الوقفة دون استحقاقها، لملاقاة الأصدقاء،

بعض أفراد العائلة، من أتعبتهم مشقات الحياة

ويبحثون عن حكايات للتسلية فلا يجدون إلا

صاحبالوقفة المشهورة أمام أجنحةدور النشر يصدر لهم أفكاره العقيمة.

حسنًا تحدثنا عن عملية النشر والكتابة والقراء

والمندسين بين الكتاب تبقى المتهم الحقيقي،

الدكاكين ومنافذ البيع، ما هي الأسباب التي تدفعهم

لقبول وطرح هذه الأعمال، الأمر لا يحتاج التعمق في

التفكير الحقيقة، بقدر التعمق في البحث عن حلول

لأن الأسباب باتت تتحدث عن نفسها.

_ النظر لعملية النشر النظرة التجارية البحتة، دون

النظر لأهمية تقديم الرسائل الهادفة بجانب الربح المادي،

للموازنة بين اختيار الأعمال والأسماء المستحقة.

هذا هو السبب الوحيد لما نحن فيه الآن ضمان إمساك

القروش في اليد سواء كان المقدم أدبًا أم افتقارًا للأدب.

وهنا نجد أنفسنا أمام أعمال إما متدنية حققت مبيعات

مرتفعة، أو أعمال سدد صاحبها ثمن تذكرة عبوره مقدمًا،

فلم يعمل الناشر لأجلها لأنه حصل على ربحه قبل القيام

بالعمل المنتظر، أو مواهب حقيقية تأرجحت بين هذا

وذاك فأصابها اليأس وتقهقرت إلى الخلف عشرات

الخطوات، فيأتي دور تحريك المياه الراكضة بإثارة

الغيرة والفتنة بين الكتاب ليقدم كلا منهم ما في

استطاعته من دعاية، كتابة أعمال أكثر تدنيًا،

دفع المزيد من المال بخلاف المدفوع من قبل

عن طريق شراء الكثير من النسخ حتى تنتهي الطبعة المزعومة.

لنجد أمامنا الجملة اللعينة ” الأعلى مبيعًا” أي الأكثر إجرامًا في حق القراء.

                                                     صفية الجيار

2 Thoughts on صفية الجيار تكتب عن الأعلى مبيعًا على أرفف دكاكين النشر وسط لافتات دور النشر الأصيلة

  1. مقال رائع جدا👏👏
    كلام صحيح جدا
    والسبب الرئيسي دور النشر اللي هدفها الربح من غير ما تشوف أو تهتم بالمضمون

    Reply
  2. حقيقي بقيت بشوف الجملة دي اكتر رعباً وإجراماً كل لما اشوف على رواية الأكثر مبيعاً ببعد عن الرواية نهائي لأن الذوق العام انحدر بشكل فظيع

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الشهور القبطية و الأمثال الشعبية

مايو 2, 2023

روقان.. بقلم سلوى عبد الستار الشامي

مايو 2, 2023

2 Thoughts on صفية الجيار تكتب عن الأعلى مبيعًا على أرفف دكاكين النشر وسط لافتات دور النشر الأصيلة

  1. مقال رائع جدا👏👏
    كلام صحيح جدا
    والسبب الرئيسي دور النشر اللي هدفها الربح من غير ما تشوف أو تهتم بالمضمون

    Reply
  2. حقيقي بقيت بشوف الجملة دي اكتر رعباً وإجراماً كل لما اشوف على رواية الأكثر مبيعاً ببعد عن الرواية نهائي لأن الذوق العام انحدر بشكل فظيع

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *