صفية الجيار: “العالقون” صوت كل عاجز عن قول “لا” خوفا من القمع والسوط

بعد نجاح روايتها السابقة “الأعراف”

صفية الجيار: “العالقون” صوت كل عاجز عن قول “لا” خوفا من القمع والسوط

 

  • أطول فترة بحث وتجميع فكرة رواية من مصادرها الحقيقية زادت عن 6 أشهر

  • آخر من تأثرت بأعمالي.. قارئة بكت مع أول صفحة من روايتي الجديد معترفة أنها تمثلها

  • سأكتب بأي صنف روائي فالفكرة هي التي توجهني، لكنني لن أخوض تجربة الرعب مهما حييت

 

حوار: آية يوسف

قيل أن “الأديب الحق هو الذي يجعلك تُدرك عمقًا جديدًا، كلّما أعدت قراءة الكتاب”، هل هذا حقيقي أم أنه مبالغة؟

إذا أردت التأكد من هذه المقولة عليك بقراءة مؤلفات الكاتبة ” صفية الجيار” أو “أفيندار” كما يطلق عليها قراءها، كلما قرأت لها صفحة تدرك كم هي تتحدى القراء في استخدام عقلهم، تكسر الروتين الذي لا تحبه في حياتها الشخصية لتخرج لنا مؤلَفْ خارج عن المعتاد دومًا، سواء كانت فكرة مستهلكة أو وليدة عقلها لم يتطرق إليها أحد قبلها ،لا تتقيد بما يجب أن يكون بل تخلق لنا عمل شكَّلته من خيالها بقلمٍ مبدع يزينه مشاعرها الصادقة.

وهنا لم يتوانى “الخازندار” على تقفي أثرها ليقيم معها هذا الحوار الخاص لنتعرف عليها كاتبة وإنسانة.

  • بداية نريد أن نتعرف على كاتبة المناورة “صفية الجيار”؟

أشكرك جدًا عزيزتي، أنا صفية الجيار مصرية، أم لطفلين، وَقَفتْ حياتي بين الأبيض والأسود لم تحدد وجهتها إلا بعد خطي لأول سطر في أول عمل لي، مواليد 1990 محافظة البحيرة، بكالوريوس خدمة اجتماعية، على عكس تخيل الجميع لا أحب الدراسة تمامًا، أنا والأشياء الروتينية بيننا عداء شديد.

  • هل عدم حبك للدراسة يؤثر على كتاباتكِ أو مقدار قراءتكِ لكسب الثقافة والمعلومات؟

على العكس، القراءة والسعي خلف التعلم الحر أمور تستهويني، يكفي ألا أكون مقيدة بأمور أجدها فقيرة الجدوى، كالمناهج المحددة، الكم الكثير الذي يتبخر فور مغادرة لجان الاختبارات أو تقديم ملفات الأبحاث.

أحبذ أن أتحرك كيفما ارتأت نفسي، ما إن يعجبني كتاب أبحث وأدور حوله إلى أن أحصل عليه ولا أهدأ إلا بعد قراءته، نفس الشيء مع الكتابة أحيانًا يستمر بحثي ودراستي حول فكرة العمل لأشهر بشتى الطرق حتى وإن وقفت في ساحة وعرة.

  • حدثينا عن أكثر فكرة طال بحثك فيها وكم كانت المدة؟

“الأعراف جلاد وجياد” طال بحثي فيها قبل كتابتها بستة أشهر أعتقد، واستمر حتى كتابة آخر سطر فيها، وتنوعت مصادر البحث بين أشخاص حقيقيون معنيون بالأمر وكتب خاصة بقوانين بدو مصر، بالإضافة إلى فيديوهات على مواقع الانترنت ومراجع تاريخية.

  • ما الأعمال التي نزلت لك في معرض القاهرة للكتاب هذا العام؟ وفي أي الدور؟

رواية “العالقون” آخر كتاباتي وأكثرهم تهورًا.

  • ما تصنيفه ونريد نبذة عنهم إذا أمكن؟

التصنيف عمل اجتماعي، يسقط سهامه على الممارسات التي لا نستطيع قول “لا” مباشرة في وجهها، خوفًا من السوط والقمع، لذا اخترت أن أرسم أوجاع المتأثرين من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة من خلال العالقون، المعلقة أحلامهم ومصائرهم على جسور الجوع والحاجة.

اخترت أن أصف العمل ببعض الكلمات الوجيزة خوفًا من الإسهاب في الحديث عنه بحب كعادتي ونتفاجئ أن نصف الأحداث مطروحة في هذا اللقاء، لكن أؤكد لكِ أن كل من يقرأ هذا العمل سيجد نفسه في شخصية من شخصياته وهذا ما حدث مع إحدى القارئات فور تصفحها لمحتوى العمل في جناح الدار انهمرت دموعها تأثرًا بأول ثلاث سطور فيه، وأقسمت أن مشاعرها اهتزت من صدق المكتوب.

  • هل هناك مصدر ألهمك بفكرة العالقون أم أنكِ كبتيها نظرا للظروف الحالية؟

ا”لعالقون” في البداية كانت فكرة شغلت عقلي في وقت ما كيف نكتب عن أوجاع الناس دون أن نمس أحد؟، نصرخ بصوتهم، نرسم عبراتهم، نندد بأوجاعهم، نخبر العالم أجمع أن هناك معذبون في الأرض جلادهم التباهي بما لا تمتلكه حكوماتهم.

وكانت “العالقون” هي نتاج كل هذا في هيئة عدة تساؤلات تطرح قبل كل جزء من العمل، ونجد الإجابة في الصفحات التالية للسؤال من وجهة نظري كمعاصرة للأزمة الراهنة.

  • فهمنا مغزى كونه الأكثر تهورًا وقد تشوقنا له، متى اكتشفتِ موهبة الكتابة لديكِ، ومتى ازدهرت لتكوني هذا الجمهور العريض؟

بالحديث عن موهبة الكتابة يمكنني إخباركِ أنني اكتشفت هذا الأمر بمحض الصدفة، طوال عمري كنت قارئة أتوقع الأحداث قبل قراءتها، أنتقد ما لا يروق لي في صمت لم يستهوينِ أبدًا الصعود في مهب الأضواء.

بجانب حبي للقراءة أنا مدمنة على المسلسلات التراجيدية تجتذبني القصص المأساوية وعند متابعتي لأحد أهم وأشهر الأعمال الدرامية الأجنبية توقف بث العمل لعدة أشهر عند مشهد تُحبس فيه الأنفاس، وبعد ضغط بعض الصديقات قررت تكملة الأحداث من محض خيالي، على شكل فصول متسلسلة والمفاجأة أن بعد عودة العمل اكتشفنا التشابه الغريب بين ما سردته ومشاهد العمل، ومن هنا لمعت بداخلي فكرة أن أسطر أفكاري ومشاعري ومشاركتها للجميع.

  • من شجعك على خوض تجربة التأليف والنشر؟

صديقة فرقتنا المسافات لكنها بالقلب، تدعى “نائلة”.

  • ما العقبات التي واجهتكِ وكيف تخطيتها؟

العقبات في هذا المجال لا حصر لها، إن أردت القول الاستغلال هو سيد الموقف، كأن القلم الحقيقي كالكعكة الكل يحاول التهامها إما للبقاء على القمة أو للاستفادة منها.

هناك أيضًا مواربة الباب لمن يملك مئات الآلاف من المتابعين للدخول إلى مملكة الأدب الأصيلة دون النظر لملكة أو موهبة ورصيد معرفي، وهذا يعد عقبة وسرقة فرصة من القلم الحقيقي.

  • هل واجهتِ عقبة كدتِ أن تتركي المجال بأكمله بسببها؟

لا لم يحدث مطلقًا؛ ربما أبتعد قليلًا لكن قرار التوقف لم يطرأ على عقلي من قبل.

  • تحدثنا عن عملك الموجود حاليًا بالمعرض، فما هي باقي أعمالك ورقي وإلكتروني؟

البداية كانت إلكتروني مع قصة “صدفة”، ولكن تم تعديلها مؤخرًا تحت مسمى “آخر كل شيء”، تلاها رواية “أوموت”، ثم رواية “أفيندار”، جاء بعدها نوفيلا “وأنت غائب”، ونوفيلا “في قبضة يدها”.

والعديد من القصص القصيرة دعيني أذكر لكِ اسمان لأهميتهما في قلبي “أحلام صغيرة يأكلها الكبار” و”رفيق الروح والشرفة”، ثم مشاركة رائعة مع جروب “روائع الروايات الرومانسية” بقصة سراديب الجنة في المجموعة القصصية غيث وقصفة زيتون المخصص عائدها لإعانة الشعب الفلسطيني.

أما عن الأعمال الورقية البداية كانت مع رواية “محرك الدمى”، تلتها رواية أمارلس، والقريبة إلى قلبي رواية “الأعراف جلاد وجياد”، ومؤخرًا أشارك في معرض الكتاب برواية “العالقون”.

 

 

  • هل هناك أشخاص معينين تثقين في رأيهم وتعرضين عليهم كتابتكِ للنقد وإبراز الهفوات؟

أنا في الحقيقة شخصية متردة كثيرًا لذا لا أجرؤ على رفع الستار عن كتاباتي إلا بعد عرضها على صديقات مقربات مني، أثق في انتمائهن لي وقدرتهن على توجيهي وإبداء الرأي في كتاباتي، منهن ملاكي الحارس كما ألقبها دائما دكتورة شيماء جاد، وأول قارئة اقتنت أول عمل ورقي لي حنونة النبرة رشيدة الفكر آية يوسف، ورفيقة الروح حنان صلاح، ومديرة دار النشر التي احتضنت أعمالي أستاذة منحة حواش.

  • هل صادفكِ أن أبلغكِ أحدهم كيف أثرت فيه أي منهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟

بالطبع حدث الأمر مرات عدة، آخرهم منذ عدة أيام، عندما فوجئت بقارئة لم يسبق لنا التعارف من قبل تخبرني أنها بكت عند قراءة أول ثلاثة سطور من العالقون، وتجدد الأمر اليوم.

  • هل تُصنفين نفسكِ ضمن نوع معين من أصناف الرواية سواء اجتماعي أو ألغاز، أم أنكِ مستعدة لخوض أي تجربة من صنوف الرواية؟

الفكرة هي التي توجهني، لكنني لن أخوض تجربة الرعب مهما حييت.

  • كيف تُنمي موهبة الكتابة عندكِ؟

بأساليب عدة، الكاتب الحقيقي لا يفرغ من التعلم إلا بكتابة آخر سطر في آخر عمل لمسيرته الأدبية، وأنا أسعى لأكون من ضمن الأسماء التي ستترك بصمتها من بعدها.

أهم هذه الأساليب القراءة بصورة مستمرة لأي شيء يقع تحت يدي، ومن ثمَّ أبدي رأيي فيه لنفسي دون الحاجة لإخبار الآخرين، وهنا أمرّن ذائقتي على التفرقة بين الفكر الجيد والجيد جدا ودون المستوى، وثالثهما المناقشة اكتشفت مؤخرًا أن النقاش في الأدب مثمر جدًا.

دعيني أخبركِ سرًا؛ أجد في متابعة بعض الأعمال الدرامية والأفلام المدسوس بين أطروحتها أفكار جيدة وسيلة لتطوير موهبة الكاتب.

  • هل تُشجعين على البداية بالنشر الإلكتروني خاصة للمبتدئين؟ أم أنه إهدار لوقت الكاتب؟

هذا السؤال محير جِدًا؛ أحيانًا أشعر أن التواجد الإلكتروني مهم جدًا لمواكبة تطورات العصر ولسرعة الوصول للقراء وهام جدًا لبسط شعبية الكاتب قبل نشر أول عمل ورقي، وفي بعض الأحايين أقول لسهولة النشر الإلكتروني باتت الثمار المطروحة عفنة اللهم القليل منها جيد وأساء اختيار منصة العرض.

لذا النشر الإلكتروني جيد بجودة منصة الانطلاق، ويضر الكاتب إن جاور أشباه الكتابات والكُتاب.

  • في رأيك لماذا انتشرت المؤلفات الرديئة وكونت جمهور كبير في الآونة الأخيرة على السوشيال ميديا؟

لأن فكر المتلقي أردأ من العمل، وسهولة الحصول على العمل بضغطة زر واحدة من قبل مريدين قراءة سيناريو مسلسل هابط، فأصبحت هذه الأعمال هي السائدة بنسبة كبيرة.

  • كيف يحفظ الكُتاب الجدد أي فكرة تجول بخاطرهم؟

بالتدوين وإعادة تفقد أفكارهم باستمرار، وانتقاء الفكرة التي تستميل رغبتهم لبث الروح فيها على الورق.

  • هل تنصحيهم بتحويل أكثر من فكرة لأكثر من رواية في آن واحد؟

لا أنصح أبدًا أي كاتب بكتابة أكثر من عمل في آن واحد، أي عمل يأخذ من الكاتب وقته وتفكيره وإلهامه وجزء من روحه، وتوزيع كل هذا على أكثر من عمل، سينتج عنه فكرة مهترئة بالتأكيد.

  • ما معيار انتشار الكُتاب في وقتنا الحالي؟ وهل للدور أولويات غير فنيات النص الأدبي لقبول العمل؟

معيار واحد، هو نجاح الكُتاب أو أشباه الكُتاب في حشد القراء بأي وسيلة تمكنهم من هذا، حتى ولو كانت طرح كتابات بعيدة كل البعد عن الأدب الأصيل.

والنجاح في توطيد العلاقات بين أفراد ينتمون لهذا الوسط سواء كُتاب أو قائمين على النشر، فمن المؤسف القول أن العلاقات والصداقات تفتح الأبواب أمام نشر العمل رغمًا عن تردّي جودته.

  • كيف ترينَ حال الثقافة والمؤلفات في هذه الأيام، هل تطورت عما سبق أم أنها تدنت؟

لن أنكر أن هناك أعمال على الساحة مدعاة للفخر، لكن ما نراه الآن بعيد كل البعد عن التطور، فالغالب في المطروح تدنّي لا مثيل له، وفي المقابل ألاحظ تطور كبير جِدًا في محاولات فرز الحابل من النابل، والمساعدة في إبراز الأقلام الجيدة كما أنني ألاحظ تطور غير مسبوق في مواهب تصميم الأغلفة للأعمال الأدبية.

  • بما تنصحين الكتاب المبتدأين لكي يضعون قدمهم على بداية الطريق؟ ومما تحذرينهم؟

اقرأ قدر المستطاع وحاول التفرقة بين العمل الذي كُتب بروح مبدع والعمل الذي كُتب بأنامل سارق الشهرة، وتعلّم لا تكف عن التعلم، ولابد أن تتأنى قدر المستطاع قبل نشر عملك حتى لا تندم.

وأهم نصيحة هي المراجعة راجع عملك حتى الدقيقة الأخيرة قبل أن يخطفه منك الناشر لمنعك من المراجعة للمرة التي يصعب عليه عدها، ففي كل مرة ستراجعه ستكتشف ثغرات لم تلاحظها في المرات السابقة.

ونصيحة أخيرة إذا جاورت الكبار تكبر وإذا انخرط بين صفوف الصغار تصبح منهم.

One Thought on صفية الجيار: “العالقون” صوت كل عاجز عن قول “لا” خوفا من القمع والسوط

  1. العالقون قضية أبدعت صفية الجيار في تسليط الضوء عليها

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نهلة الهبيان: التهافت على لقب كاتب وفتح الدور سبب التدني الثقافي

فبراير 8, 2023

ياسمين إسماعيل تكتب عن قيد إجباري لإيمان حمدان

فبراير 8, 2023

One Thought on صفية الجيار: “العالقون” صوت كل عاجز عن قول “لا” خوفا من القمع والسوط

  1. العالقون قضية أبدعت صفية الجيار في تسليط الضوء عليها

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *