شروق شمس لن تغيب الفصل الثامن

 

عديني ألا تفعليها مجددا مهما حدث.
أما هو فلن يفلت من العقاب ،وإذا فلت سأقتله..

-أمي..

-عديني يا شروق الأن.

-أعدك يا أمي. قالتها ثم صمتت قليلا وقالت :
-اريد الذهاب للمنزل.

-سأذهب للتحدث مع الطبيبة، فأنا ممرضه واستطيع العناية بك بالمنزل .

ابتسمت بضعف و أومأت بالموافقة.

أوصلهم وليد الي المنزل
-أشكرك يا دكتور ،لقد تعبت معنا اليوم .
-تعبك راحة يا أم شروق، اعتني بها جيدا ،واحرصي على عدم تركها بمفردها .
ف الطبيبة قالت، قالت من الممكن ان تعيد المحاولة..

-ماذا؟
تعيد المحاولة،لكنها وعدتني!
قالتها بخوف
-ما حدث لم يكن هين ،ولا القادم سيكون هين عليها..
لقد تأثرت نفسيتها كثيرا ، والمواجهة القادمة ليست سهلة.

سأغادر الآن وإذا احتجتي شئ اتصلي بي في أي وقت .
قالها وهو يناولها كارتاً به رقمه الخاص ،هزت رأسها في تفهم وشكرته مرة أخري

غادر وداخله تشتعل الأفكار ،لا يعرف ماذا سيفعل ،وكيف سيكشف ذلك النذل ..

-كم الساعة في يدك الآن ؟

وقفت مكانها تفرك يدها بتوتر ،لقد فكرت كثيراً فيما ستقوله له طوال الطريق ،لما التوتر الأن..

-آسفة يا أبي ،شروق مريضة جدا وخالتي انهارت عندما رأتها ،لم أستطيع تركهم بمفردهم بهذه الحاله.
-وما شأنك أنت بها ،لقد نصحتك مراراً بالابتعاد عن هذه الفتاة ،فهي من تدس برأسك العناد ،بالتأكيد هذه خدعة من أجل عودتك للجامعة.

نظرت لزوجة أبي أحاول استيعاب ماتقوله ،ثم نظرت لأبي مرة أخرى وقلت بعيون دامعة :

-لقد تعرضت الفتاة للتعدي ،لما سأختلق القصة!
لقد أخبرت أبي من قبل انني موافقة على الزواج، لكن بعد انتهاء الامتحانات النهائية.

-وأيضا أصبحت سيئة السمعة ،لا داعي لهذه الصداقة حتى لا تصيبك عدوى من سُمعتها..

-لا أسمح لك التفوه بكلمة سيئة علي صديقتي..

-انظر جيداً لابنتك وأستمع لصوتها العالي ،يالها من تربية !
قالتها بسخريه ليقول أبي بغضب:
– تأدبي يا ريهام ،واعتذري لها الان ..

زاد غضبي وعنادي:
-لن اعتذر ،لم اخطئ ،هي من أخطأت في حق صديقتي وعليها الاعتذار ،وأنت تعلم اخلاق شروق جيدا،وكم أحبها.
هل ستدخلني المنزل ،أم ستتركني بالخارج ؟

استدرك انه مازال يقف أمام الباب ولم يدخلها ،افسح لها المجال ،دخلت.

-أخطأت في حقي ولم تأدبها وادخلتها المنزل دون اعتذار ،لن أقبل هذا..

نظرت لها ريهام ثم لأبيها وقالت بصوت حاولت جعله قوياً:
-لا باس يازوجة أبي، كلها أيام معدودات واتركه لك.
نظرت لأبي وأكملت :
– للأبد .
أعدك مهما حدث لن أرجع إلى هنا مجددا..

دخلت إلى غرفتي أبكي بعنف ،لا أعلم هل أبكيني أم أبكي شروق.

داخل غرفته يجلس في الشرفة ،أمامه فنجان قهوته التي بردت ولم يقترب منها بعد،من ينظر له من بعيد يعلم أنه بمكان آخر وعالم آخر

-وكأن هموم الكون كلها علي كتفيك وحدك،أم هي قصة حب أخيرا ؟
قالتها أمه بمزاح وهي تربت على ظهره بحنان ،تفاجأ من وجودها وكلامها ،لم يلاحظ دخولها ..

-أمي ، أنتِ هنا!
لم أسمع خطواتك ياللغرابة.
-ليست فقط خطواتي يابني ،لقد ناديتك كثيرا وطرقت الباب .
ما الذي يشغل بالك لهذه الدرجة؟

-مشكلة في الجامعة .
-هل تخصك ،اقصد انت طرف بها؟
-لا يا أمي لكن ..
-لا تقحم نفسك في المشكلات إذن لتستريح قليلا ..
-وأترك الفتاة المسكينة تقع في شباك ذلك الوغد،ام اتركه يدمر مستقبلها !
أي عدل هذا ، لا يا أمي،لم تعلميني أبدا أن أرى الظلم وأغمض عيناي عنه .
-هناك فتاة إذن ،أخشي ان تكون انت المسكين ليس هي !

توتر قليلا وقال :
-ماذا تقصدين؟
-لماذا تريد مساعدتها،هل هي مجرد طالبة،وذلك عمل إنساني فقط ،ام هناك شئ أخر..

شرد في كلام والدته ،يفكر،لقد وضعت يدها علي الوتر الحساس،ذلك الشعور الذي يتملكه بقربها منه.
ذلك الدفئ والإحساس بالأمان والراحة الذي شعر به عندما ضمها لثواني ،ويود لو ظل هكذا لباقي العمر..
لام نفسه على هذا التفكير ،كيف يفكر بها هكذا وهي بهذا الموقف وهذا الوضع!

تخيل للحظة ما حدث معها وكيف تجرأ أحد على لمسها والاقتراب منها.
شعور بالغضب والغيرة تملكاه،يريد قتله لمجرد التفكير بها ،يريد أن يخفيها عن عيون العالم ،أن يقطع جميع الألسنة التي تفوهت عنها بالسوء يريد أن يخبئها داخله ،ماذا فعلتي بي ياشروق..

-ماذا بها شروق يا امي ؟
أخفت الأم دموعها وربتت على يده بحنان:
-مريضة قليلا ،ستتحسن صحتها قريبا،لا تخف.

استيقظت منذ فترة،تشعر وكأنها نامت دهراً،يؤلمها جسدها بأكمله..

-يا له من كابوس مزعج، قالتها وهي تنهض من فراشها وتتجه نحو مكتبها وتقول:
-يبدو أنني نمت كثيراً،تري كم الساعة الآن..

قطعت كلامها فجأة وهي ترى أثار أنبوب المحلول المغذي بيدها ،شهقت بصدمة ووضعت يدها علي فمها:

-لم يكن كابوساً!!
لم يكن كابوساً..
بدأت في البكاء مجددا و
جلست علي المكتب بتعب ،تذكرت كل ماحدث، لا تعرف ماذا ستفعل ،لا تستطيع السيطرة على دموعها، ولا ألام صدرها.

سمعت صوت الأذان يؤذن، وكأنها إشارة من الله ان تسلم أمرها له .
ذهبت وتوضأت وأدت صلاتها ،تبث ضعفها و شكواها لله.
تدعوه أن يكون بجانبها وينصرها وهو القوي ،ناصر الحق،مجيب المضطر إذا دعاه..

دخلت الأم عليها، ووجدتها تجلس على سجادتها،رافعة يدها لله ،ربتت عليها بلطف:

-لن يتركنا الله ،لا تحزني يا بنيتي ،إن الله معنا.
-أعلم يا أمي ،لكن خائفه ..
-مما تخافين؟
-تُري الأن قد نُصبت الشائعات والظنون بي ،وكثرت الأحاديث.
أيضا لم يتبقى على الامتحانات سوى أيام ،ماذا سيكون مصيري.
طالما انتظرت هذه اللحظة طويلا ،وها هي عندما حانت تبخرت أحلامي وهُدم كل شئ ..

-اسمعي يا فتاتي ،أريدك قوية كعادتك ،حتى تستطيعي أخذ حقك.
لا تجعلي تلك الأزمة تؤثر عليكي وتُضعِفك.
ذاكري واجتهدي ، افعلي ماعليكي ،واجهي ذلك المجرم ،فصاحب الحق عينه قوية،اجعليه يخاف منك..
-ماذا لدي لكي يخاف يا أمي !
-لديك الله.
ماذا تريدين بعد الله!

دَمعت عيناها،فضمتها أمها إليها :
-معك حق يا أمي ،من معه الله ،يُغنِه عما سواه..
-حسنا ارتاحي قليلا وسأحضر لكي الطعام لتأكلي ،فأنتي لم تأكلي منذ البارحة.
-يكفيني ما ارتحته ،سأبدأ المذاكرة ،لم يتبقى الكثير من الوقت لأضيعه.
-والطعام؟
-أحضريه،فأنا جائعة جداً.
قالتها وهي تحاول ان تبتسم فبدت ابتسامة واهنة،لعلها تفلح في رسمها مرة أخرى..

قضي ليلته يفكر فيما حدث،لايعرف كيف فعل هذا،لم يخطط أبدا له!
لماذا شعر بالغيرة والغضب عندما علم أنها من كانت معه؟
لماذا غضب من تجاهلها له؟
لماذا فعل بها هذا ،وهو كان يستثنيها عن باقي الفتيات!!
لماذا جعلها استثناء إذن !!
هل حركت مشاعره؟
أم أن رفضها له هو سبب شقائها الأن..
الكثير من الأسئلة دون إجابات ،رأسه يضج بالافكار ،ماذا سيكون مصيره او مصيرها ؟

-ماذا فعلت هذه المرة حتى تحول للتحقيق؟

التفت لها بفزع ودهشة:
-كيف علمتي بهذه السرعة؟
-لا تغير دفة الحديث وأجبني!
-ومن اخبرك بأمر التحقيق لم يخبرك بما حدث، أرى أن مخبروكِ السريون مقصرون في عملهم الفترة الأخيرة .
قالها بتهكم ليزيد غضبها ،حاولت أن تكبح جماح غضبها منذ بداية الحديث وها هو يستفزها لتصيح به:
-الي متي ستظل بتلك النذالة ،أخُلِقت والخيانة تجري بدمائك !
ألم تعدني أنها المرة الأخيرة ولن تعيدها ثانية؟
-ماذا تريدين الآن ياوفاء ؟
-الطلاق ،طلقني ياعادل..
-وفاء ،أرجوكي صدقيني ،الأمر ملفق و..
-تكذب مرة أخرى وعليِ !!
لم أعد أحتمل كذبك ولا خيانتك ، ولن تفلح في إقناعي هذه المرة إنها مؤامرة
لأجعل أبي يتدخل ككل مرة وينقذك بعلاقته.
عليك تحمل أخطائك ،وعليك مواجهة أبي أيضا فلن أسامحك هذه المرة.

قالتها وغادرت غاضبة .
-اللعنة!!
قالها بغضب وهو يحك رأسه بتوتر.
-حتي انتي يا وفاء!
بدأ يسترجع ذكرياته:

-لم سنرحل وأين أمي ؟
-لن تأتي معنا ،هي من اختارت أن تتركنا، هي لا تحبك.
في هذه اللحظة رأى أمه تأتي مسرعةوهي تبكي وتتوسل لأباه:
-اتركه معي ،لن أستطيع العيش بدونه .
-لقد اخترتي برغبتك.
-اخترت تركك انت ليس ولدي، ماذا ستعلمه أنت ،الأنانية مثلك، الكذب، الخداع!
اتركه لي وأعدك ان تراه عندما تريد ،لقد تنازلت لك عن كل شئ ،لكن ليس ولدي!
ارجووك..
-لايوجد خيار ثالث كلانا او لا شئ او لا أحد ..
-أنت أحقر من رأيت ،لكن ماذا انتظر ممن باع نفسه وقبل على نفسه مالاً حرام ،لن استطيع العيش مع مرتشي يطعمني بمال حرام ،ولن اقبل أن تطعم ولدي بمالك هذا ..
-لاتستطيعين فعل شئ لقد تنازلتِ عنه
-كان علي أن لا أثق بك ،سأفعل المستحيل لأسترد أبني…

هذا هو آخر لقاء له بوالدته،نزعه والده من بين يديها عنوة وهرب به خارج البلاد ،كبر مشوه من الداخل ،كانت أمه محقة تماما لم يكن أباه متفرغ له وتربيته فقط متفرغ لملذاته ،أخذه فقط لكي يقهرها ويضغط عليها لتعود له.

أفاق من ذكرياته عندما وجدها تجر حقيبة ملابسها الكبيرة وتتجه نحو الباب:
-وفاء لا تتركيني ،أنا لن أتحمل مشكلة إضافية في الوقت الحالي.
انتظري حتى تمر تلك الظروف ،حينها افعلي مايحلو لك، ولن ألومك ،لكن لا تتركيني في هذا الموقف.

-للأسف يا عادل لقد انتهى رصيدك لدي ،ولم يعد هناك ما يشفع لك عندي.

قالتها وصفعت الباب خلفها:
-اللعنه عليكِ ،وعلى مخبروك السِّريون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شروق شمس لن تغيب الفصل السابع

أكتوبر 25, 2022

شروق شمس لن تغيب الفصل التاسع

أكتوبر 25, 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *