كعكة عيد الميلاد ( رشا فوزي )

تقف في الزاوية برجاء يداعب قلبها
الذي أضنته الهموم، منتظرة، تتابع بعينيها الخادمة
تزيح الستائر عن الشرفة، ترفع “المدام” رأسها بتثاقل عن وسادتها الحريرية متذمرة؛
وأشعة شمس الظهيرة تقتحم غرفتها. – صباح الخير مدام ندى.
نغمة استجداء تفلت رغما عنها، تلتفت لها “المدام” منزعجة
فتغتصب “فتحية” ابتسامة مرتبكة، تتجاوزها “المدام” متبخترة نحو الحمام
متجاهلة كل شيء عدا ذاتها.
في تكاسل “مدام ندى” وتدللها عند الاستيقاظ ترى “فتحية” ابنتها،
جاءتها هذا الصباح يتراقص في مقلتيها ذات الرجاء: –
النهاردة عيد ميلادي، فاكرة؟ وكيف لها أن تنسى؟،
في ذلك اليوم أخبرها زوجها متخاذلا أن الحياة قاسية،
قادرة على إذابة أشدّ الرجال صلابة،
وامتصاصه ليتلاشى تماما من الصورة،
وتركها وحيدة مع طفلتهما الرضيعة وذهب،
لسنين تساءلت فيها عن فارسها المغوار الذي التقته بين أروقة كلية الأداب وتزوجته،
وحبهما الذي سيتغلبا به على دنيا الفقر هذه. – النهارده يوم مهم يا فتحية،
مش هوصيكِ. – كل سنة وحضرتك طيبة يا مدام.
تعمل أناملها في شعرها بمهارة واحترافية، تنشد رضائها،
تستطلع وجهها في المرآة بين فنية وأخرى، مترقبة، متحينة فرصة لسؤالها،
لكنه لا يبشر بخير، الغضب والتوتر يصوغان ملامحه، تسأل مديرة فيلاتها بعصبية: –
عامر بيه لسة ماوصلش؟
– لسة يا هانم.
وقبل وضع مساحيق الوجه طالبتها باستراحة للتدخين وشرب القهوة،
وسألتها مديرة الفيلا إن كانت ترغب في القهوة أيضا، أجابتها على استحياء: –
لو ممكن عصير برتقان.
تلقفته معدتها باحتفاء، فقد كان هذا أول شيء يدخل جوفها منذ الصباح،
أثناء ذلك أنهت المدام قهوتها بينما سيجارتها تتنقل مشتعلة بين شفتيها وأصابعها،
شاردة في خيط دخانها المتصاعد في الهواء، حتى انتشلها صوت إحدى الخادمات: –
التورت وصلت يا هانم، والجاتوهات.
– وعامر بيه؟
سؤالها الملهوف أحبطته إجابة بالنفي،
عادت تُفرغ حنقها في سيجارتها مضطربة قبل أن تغرق في دخانها من جديد،
وفتحية معها. ستسألها ابنتها عن كعكة عيد ميلادها،
الجيب خاوي والطريق حتى أول الشهر متصحّر أجرد،
وعليها وحدها ملء فراغ الصورة الذي تركه والدها. استقبلتا المساء بقلب يعج بالهموم،
السيدة “ندى” ملكة رائعة الحسن،
بعينين مطبوعتين بالحزن والغضب راحت تسأل عن الغائب الذي لم يكلف نفسه حتى عناء الاعتذار،
أما فتحية فقد تلقفتها مديرة الفيلا اللئيمة تنفحها أجرة ستذهب أغلبها إلى ربة عملها
وما يتبقى لها لن يكفي بأي حال ثمن أصغر كعكة عيد ميلاد.
راودتها نفسها مرة أخرى عن سؤال مدام ندى،
ربما لو علمت أن اليوم هو عيد ميلاد ابنتها أيضا لزادت في الإكرامية.
ضجت الفيلا بمظاهر الاحتفال الباذخة، وازدحم بهوها وحديقتها بالبشر،
ووسط الصخب ظلت تبحث بإصرار المضطر عن صاحبة العيد
حتى وجدتها في أحد الأركان المستترة غارقة في قبلة جائعة بين ذراعي رجل.
في صباح اليوم التالي كانت تستعد للذهاب إلى عملها مبتهجة؛
وهي تشاهد ابنتها تأكل قطعة أخرى من كعكتها بتلذذ.
سألتها صاحبة محل الكوافير الذي تعمل به وهي تناولها المال عن عيد الميلاد وكيف كان،
كادت تفضحها ابتسامتها وهي تخبرها أن الحفل مر بسلام؛
رغم غياب الزوج خرج الجميع سعداء، وقد نال كلٌ نصيبه من الكعكة!.

تمت

 

رشا فوزي

One Thought on كعكة عيد الميلاد ( رشا فوزي )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قراءة يوميات ياسين ( أماني محمد )

نوفمبر 18, 2022

خاطرة أنا المسخ ( أحمد العدل )

نوفمبر 18, 2022

One Thought on كعكة عيد الميلاد ( رشا فوزي )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *