رسالة الى صديقي

حانة السيد سيمنز..
تقاطع الشارع الأسود..
دبلن.
أما بعد..
أعتذر عن رسالتي المفاجئة فأنا لم أكتب لك منذ تسعة و ثلاثون خريفا، أو سأكون صادقًا كتبت و لكن مزقت تفاهاتي و ألقيت بها بمحرقة المجاذيب.
لقد حصلت اليوم على شهادة تخرجي من مدرسة المجاذيب، لأنطلق أخيرًا داخل ذلك الفضاء الضيق، كل ما هو حولي ضيق منذ ولادتي، بل و حتى قبل ولادتي فكان رحم أمى ضيق، و سريرى الصغير ضيق، و عندما مشيت على قدمي كان الممر ضيق، و حينما كبرت وجدت عقول كثيرة من حولي ضيقة و صدورهم أكثر ضيقا كسَّمِّ الخياط، لهذا قررت التحول عن هذا الضيق و أثقب فضائي بالكتابة .
هل تعلم أننى فقير جدا؟ فقير لدرجة أننى لا أجد قوت مزاجي، حتى فقري تسلل إلى أحلامي لتتسع الفجوة ما بيننا ليصبح سقفها أعلى من النظر و ربما أبعد من شهوة التمني أيضا، و يد الواقع قصيرة فلا أجد من سوق الأحلام شيء يناسب قياس صدري النحيل.
لهذا قررت الرحيل لعالم الكتابة، أكتب لأبحث عن شيء خارج روحي و ربما داخلها و لكن ألقيته خارجها، أكتب لأن الكتابة هى الشئ الوحيد الذى يجعلني أنا، الذى يجعلني شخص مرئي للعالم حتى لو لم يقرأ لى أحد لكن أكتب، أكتب حتى لا تسيل روحي من جسدي ممزوجة بماء استحمامي، أكتب لأن تلك الحروف هى شهادة اعتمادي كمجنون، لأبسط لك الأمر يا صديقى؛ أنا أكتب لأنني أعتبر الكتابة مشروع تخرجي كطالب فى الهندسة المزاجية، فكيف سيعرف العالم أننى مجنون الا من خلال حروفي؟!
و ها أنا كل ليلة أقتلع احدى أظافري أبحث تحتها عن أبجديتي، فأفشل.. و لا ينتهي بي الفشل إلا بعد ضرب رأسي كأبله يبحث عن بعض السكر في جحر النمل.
لكن ستنمو تلك الأظافر و سأجد تلك الحروف، سيصبح عندي بئر لا ينضب كحقول الذهب الأسود، سأغرق العالم بحروف سوداء ثقيلة و لزجة، لأنها كفالة روحي للخروج من معتقل أبي الجاحد، لأنها عتق رقبتي من عذاب تقصيري بحق أمي، لأنها اغتسال من جنابة اهمال اخوتي.
سأكتب حتى أعبر الثكنات الحربية داخل روحي، و أبتعد عن الواقع المقزز و التى تميع روحي به، و سأظل أكتب حتى أجد تلك الأرض التى أزرع بها شجرتي لأجلس تحت فروعها و أنتظر ثمارها و أستريح.
ختاما .. لا ترسل لى ردا على تلك الرسالة، و عليك أن تحرقها قبل أن تتلوث روحك بما فيها، فغير مسموح قرأتها الا مرة واحدة
والسلام..

نجم الدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كتابة خاطرة بشكل سليم

يوليو 11, 2022

لماذا خلق الله آدم عليه السلام

يوليو 11, 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *