جوائز الدولة حتى نطمئن

 كتب/محمد ناجي المنشاوي

 


عادة

مايتبع الإعلان عن نتيجة جوائز الدولة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، في مصر مايشبه الفتنة بين الكتاب، مع تبادل الاتهامات، والمزايدات احيانا، ولعل مصر تعد الأقدم في محيطها العربي في تقديم جوائزها للمبدعين والباحثين والعلماء، ثم تابعتها أقطار أخرى شقيقة، كجائزة الملك فيصل العالمية، المرصودة من قبل المملكة العربية السعودية، ولاشك أن هذا يسعد كل عربي، وكانت جوائز الدولة في مصر محصورة _ غالبا _في جائزتين هما :التقديرية والتشجيعية ثم تم تعديل ذلك إلى رصد أربع جوائز هي (النيل) : للمبدعين المصريين في مجال الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية وجائزة المبدعين العرب ملحقة بها وتقدر قيمتها بنصف مليون من الجنيهات المصرية، بالإضافة إلى ميدالية ذهبية، (ولايجوز تقسيمها، أو منحها لشخص واحد في ذات الفرع أكثر من مرة واحدة) والشرط الأخير يشمل كل الجوائز الأربعة و(التقديرية) وقيمتها مائتا ألف جنيه مصري ، بالإضافة إلى ميدالية ذهبية و(التفوق) : وتشمل قيمة كل جائزة لكل فرع من هذه الفروع مائة ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى ميدالية فضية، ثم (التشجيعية) : وقيمة كل جائزة لكل فرع من فروعها خمسون ألف جنيه مصري، والتي أخصها هنا بالاهتمام لأنها تمثل الحلم الأعظم لجيش من المبدعين، يخطون خطوتهم الأولى في هذا المضمار كما إنها تمثل نقطة انطلاق حقيقية للمبدع الموهوب والمصقول وتشجيعه _ حقا _ للمضي قدما وبثقة في طريق الإبداع وهي أيضا بمثابة شهادة دامغة على موهبة هذا المبدع مما يجعل (تحققه) في محيط مجتمعه أمرا صريحا ومميزا بين هذا العدد الكثيف من الكتاب وإلا انصرف لعمل آخر متى ثبت له ضحالة موهبته أو ضعفها او خلوه من الموهبة.

 

كما أن المبدع المتقدم للتشجيعية وهو يتلمس البدايات يكون على وجه الحقيقة، أشد المبدعين احتياجا لقيمة الجائزة المادية بجانب قيمتها المعنوية، في مجتمع غير مقبل على الأدب الرفيع والثقافة الجادة ومن ثم فهو مجتمع تعاني فيه نسبة كبيرة من الأمية القرائية ومايترتب عليها من انصراف الجماهير عن القراءة والاطلاع، إلى شبكة العالم الافتراضي وماتقدمه من ثقافة ( الدليفري والتيكاوي والإيروتيكية) السهلة والرخيصة والمثيرة والمبتذلة، إذ هو مجتمع لا يشجع على الإبداع القيم الرفيع وهو منصرف بكل غرائزة ليشبعها، متلبس بثقافة ملء البطون لا ملء العقول وتهذيب السلوك، إنه نتاج تشربه _ لقشور الثقافة الغربية _ وتحيزه دون وعي للنموذج المعرفي الغربي المادي _ حيث الإعلام العربي والمصري الحريص على بث ثقافة الاستهلاك ليتحول أفراده إلى مجتمع استهلاكي،حريص على بناء الجسوم لا العقول، والتفاخر بتحقيق الملذات لا التفاخر بالتعليم والثقافة، إنه مجتمع محبط للحياة الثقافية، ومشجع لثقافة البطون، فأني لمجتمع مثل هذ ان يؤم وجهه شطر قراءة الرواية او الشعر او القصة او المسرح.

 

غاية القول ان المبدعين عامة يعانون من ضآلة المردوديين المادي والمعنوي ولكن المقبلين على الأدب في مقتبل التجربة ربما كانوا أشد احتياجا لكلا النوعين من التشجيع، فلم يعد يجني ثمرة إبداعه إلا من حالفته ضربة حظ او مبدع متدن سطحي يقدم التافه من الكتابة نجحت آلة الترويج ان تضعه فوق القمة السامقة والامثلة على ذلك كثيرة تكاد لاتحصي ومن المآسي التي وقعت في هذا المجال تصل بنا إلى ضحك أشبه بالبكاء، حيث نال هذه التشجيعية كتاب قد تجاوزوا سن الستين، أو كتاب حصلوا عليها بعد وفاتهم كما فاز بها سطحيون لم تصقل تجربتهم بعد لا لشيء غير انهم قريبون من المؤسسة الثقافية بعلاقاتها المعقدة ذات الدروب التي لايسلكها إلا طيور الظلام.

 

والحقيقة أنني راعني شرطان من شروط التقدم للتشجيعية، اولهما ان يكون المتقدم دون سن الأربعين في أول أكتوبر في عام التقدم للجائزة وثانيهما وهو العجيب والذي يستحق التندر هو أن يحضر المتقدم من البنك رقم حسابه البنكي!!؟ وفي اول الأمر ظننت انه يطلب من المتقدم إحضار مايفيد بعدم وجود أي حساب بنكي له!!؟، أما عن شرط السن فغالبا لايتقدم مبدع موهوب جاد مصقول التجربة بعمل جدير بالاحترام يمثل إضافة للمكتبة العربية إلا بعد سن الأربعين (مع الاستثناء النادر جدا) فغالبا ماتحتاج نصوص الفائزين إلى إعادة صياغة للصقل والإتقان ومن ثم ينبغي أن يعدل هذا الشرط إلى سن الخامسة والأربعين إن لم تكن سن الخمسين، أما شرط رقم الحساب البنكي فقد صاغته لجنة منفصلة تماما عن المبدعين، فهل كل امرئ في مصر له حساب بنكي _لا أظن _ وبخاصة المبدعون في هذه السن!! وماصلة موهبة كاتب ما بحافظة نقوده؟ إلا إذا كان الحساب البنكي يعلي من شان المبدع وموهبته وكلما زاد رصيده البنكي زادت موهبته!!؟ إذن فليمت المبدع الموهوب الفقير كمدا وغيظا لكي يحظى بالجائزة ذوو الحسابات البنكية، إذ لوكان قد تقدم لها في عصرنا كامل الشناوي او محمود ابوالوفا او حتى حافظ إبراهيم او نجيب محفوظ لما نالوها أبدا، ومن ناحية أخرى فيقترح إعادة بناء هيكل لجان القراءة وخاصة للتشجيعية بسبب كثرة عدد المقبلين عليها فلايمكن للجنة تتكون من ستة وثلاثين عضوا او اثنين وأربعين قراءة هذا الكم من النصوص، ومن المؤكد أن العجلة تشوبها وتضرب مصداقيتها في مقتل ولهذا ينبغي اشتراك كليات الآداب على مستوى الجمهورية ان تلعب دورا في التصفيات الأولى، بأن يخصص لكل إقليم كلية آداب تستقبل النصوص وترفع كل كلية اثنين او ثلاثة من كل فرع إلى اللجان النوعية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ليكون العدد المرشح لهم من القلة التي تمكنهم من الفحص المتمهل والعناية الفائقة لفهم النصوص والموازنة بين المتسابقين حرصا على الوصول إلى الأفضل وتفادي الجور والإهمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كقلم رصاص، ينسى أن يموت

أغسطس 26, 2022

حوار مع الكاتب محمد حسني العايدي

أغسطس 26, 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *