ثورة الزُّط …
التاريخ.. ذلك البحر مجهول الأعماق الذي أخفت شعبه المرجانية الكثير من الأسرار، و عجز الكثير من ساكني الشط رؤيتها، فبحث عنها هواة الغوص، و اليوم في رحلة غوص خاصة عثرت داخل هيكل سفينة الدولة العباسية عن صندوق مغلق و رغبت فتحه معكم هنا.
الزُّط، النَّوَر، الكولية و الكثير من المسميات من الألقاب القديمة للغجر، و الزُّط ( بضم الزاى و فتحها أحيانا) هى كلمة محرفة من كلمة جت، نسبة إلى إحدى الشعوب الهندية القديمة ( عن الطريحي النجفي فخر الدين محمد بن علي في مادة “زطط” بالمجلد السادس الجزء الرابع)، و بالنسبة للروايات التاريخية إن أصل الزط يعود إلى الهند، ثم نزحوا بسبب مجاعة أصابت بلادهم و انطلقوا منها إلى فارس، ودخلوا في الإسلام مع الفتح الإسلامي ثم انتقلوا الى البطائح ما بين واسط و البصرة وكانوا يعملون فى السفن الهندية التى ترسو في ميناء البصرة كما اشتغلوا برعي المواشي أيضاً ، وحصلوا في البداية على حقوق مساوية لبقية المسلمين على الرغم أنهم لم يتخلوا عن شيء من عاداتهم الموروثة ، واعتزل الزط الحروب التي تبعت مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، إلا أنهم اتبعوا مذهب الخوارج بعد موقعة صفين أيام على بن أبي طالب رضي الله عنه، الأمر الذي جعل الحجاج بن يوسف فيما بعد يعمل على تقليص أعطياتهم وتشتيتهم في أنحاء العراق ، وتم نقل مجموعة كبيرة منهم إلى أنطاكيا ومن ثم إلى تركيا وأوروبا الشرقية. وقد زاد عددهم في العراق عن 30 ألفاً أيام العباسيين وشكّلوا قوة ضاربة سيطرت على طرق التجارة وقطعت الطريق بين وسط العراق وجنوبه ونهبوا المحاصيل الزراعية من الصوامع فى البصرة ، وكان رئيس الزط رجلا يقال له (محمد بن عثمان)، واستمرت مشكلة الزط فى جنوب العراق قائمة حتى تعاظمت حركتهم سنة 205 هـ، أيام خلافة (المأمون) أثناء النزاع الكبير ما بين الأمين و المأمون، الذى وجه لهم الجيوش فلم يتمكن من القضاء عليهم وإسكات ثورتهم، لشدة حذرهم و تشتتهم في الفيافي.
ولما تسلم الخليفة (المعتصم) استعان بالقائد (عجيف بن عنبسة) لحربهم فى سنة 219هـ ورتب الخليفةُ الخيلَ فى كل سكة من سكك البُرد تركض بالأخبارِ فكان الخبر يخرج من عند (عجيف) فيصل إلى (المعتصم) من يومه، سار (عجيف) مع 5 آلاف جندى إلى الزط في البصرة فحاصرهم شهوراً وجفف فروع الأنهار التى كانوا يتجمعون حولها وحاربهم فقتل منهم فى المعركة 300 رجل وأسر 500 رجل ضرب أعناقهم وبعث برؤوسهم إلى باب (المعتصم) ثم أقام هناك 15 يومًا فقتل منهم خلق كثير.. ولما قهر (عجيف) الزط جنحوا إلى الإستسلام وطلبوا منه الأمان فأمّنهم على دمائهم وأموالهم سنة 219هـ وكان عددهم 27 ألفًا المقاتلون منهم 12 ألفًا والباقي من النساء والأطفال، ثم عبأهم فى زوارق وهم ينفخون بأبواقهم حتى دخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة 220هـ ، وأقاموا فى سفنهم 3 أيام ثم تم نقلهم إلى بوابات الأناضول فى مواجهة حدود الروم.
حين هاجم الرومُ الدولةَ العباسية سنة 241 هـ اجتاحوا الزط واستاقوهم مع ممتلكاتهم إلى داخل بلاد الروم فلم يفلت منهم أحد ، وبدأت رحلة الشتات الكبرى للزط فى أوروبا فبعد وصولهم إلى القسطنطينية (إسطنبول) تحركوا إلى داخل أوروبا كجماعات رحالة مسالمين ، وقد عاشوا أيام الدولة العثمانية بحُرية وبعد الحرب العالمية الثانية تمت ملاحقتهم من ٲوروبا ولاقوا الأهوال ، وفي الدول العربية تم إعفاؤهم من الضرائب والتجنيد لكن أغلبهم امتهن الموسيقى والرقص وصناعة الآنية وبعضهم مارس التسول والاحتيال على الناس بالشعوذة والتنجيم .
بالعودة لأصل الزُّط نجد ما يلي:
أصل الزُّط هنود من بلاد السند، على الرغم من بعض الكتابات التي ذكرت نسبهم لأرض الحبشة و السودان، لكن هذا النسب بعيد و نستشهد فيه بتلك الأخبار:
أبو عبدالله محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي و الذي ذكر في مفاتيح العلوم بحديثه عن طبقات الهند أن الزُّط حُفَّاظ الطريق، و هم جنس من السند يقال لهم جتان.
و عند المسعودي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الشافعي في كتابه التنبيه و الاشراف، كانوا خلقًا عظيمًا انتقلوا عن ناحية السند لغلاء وقع هنالك، و قد وافقه في ذلك الكثير من المحدثين من بعده.
و بالرجوع لتلك الروايات ننفي نسب الزُّط لأرض الحبشة، و نرجع لنعلل ذلك حيث سكن الكثير منهم خاصة الحلب و النَوَر و بني عداس و بني هجرس ساحل الشمال الافريقي.
و حيث أن التاريخ يخضع في الكثير من الاجتهاد، نعود إلى مخطوطة الدولة العباسية معكم، في محاولة لربطها بمنطقي الخاص و تلك النقطة تخضع للنقاش لو وجد لديكم رأى آخر، مع استفحال أفعال الزُّط ابان عصر المأمون و محاولاته الفاشلة في القضاء عليهم قال البعض أنها كانت أخد أسباب انتكاسة المأمون الصحية و وفاته قهرًا بعد ضياع هيبة الدولة العباسية، و من قبلها ما فعله بشموري مصر من ثورة شهد بها التاريخ كأحد أعظم الثورات على مر التاريخ لبسالة القبط و اتحاد طوائف الشعب في مواجهة تعنت والي مصر عيسى بن المنصور الذي أرهق الشعب بالجزية و الخراج حتى كانت فتيل ثورة البشموريين الثانية، و لن نتحدث عن تلك الثورة هنا و لكن سأتركها في تفصيل قريبًا في اعلان خاصة لأهميتها الخاصة لدي.
عاد المأمون منتصرًا على الرغم من استبسال البشموريين و الخسائر الفادحة للعباسي، و لكنها كانت نقطة سوداء في ثوبه على الرغم من انتصاره الهزيل، فعاد بهم لأنطاكية و مع قيام ثورة الزُط استعمل المأمون و من بعده المعتصم إبراهيم البشموريين في محاربة الزط، من هنا استنتج سبب سماح المعتصم لأبطال القبط العودة لمصر، ربما كان مكافأة على بلائهم و عونهم له، و تلك الفقرة اجتهادي الخاص.
و بالعودة للشط بعد اخراج محتويات صندوق الزط فالجدير بنا ذكر ما يلي:
يعتبر (الحَلَب) من أكبر مجموعات الغجر في مصر، ويتواجدون أيضا فى ليبيا والسودان، و (بني عداس أو بني هجرس أو الجواطنة) يتواجدون في الجزائر وتونس و المغرب. و (النَوَر) يتواجدون في محافظة الدقهلية بمصر وبصورة أقل في فلسطين وسوريا والأردن . أما (الزط) يتواجدون الآن في الإمارات العربية المتحدة وسوريا والعراق.
في نهاية الحديث عن أحد الصناديق الغائبة في التاريخ الاسلامي أتمنى أن يكون ما قدمت قد لاقى استحسانكم و قدمت لكم معلومة تستحق وقتكم الثمين و مشاركته على صفحاتكم الكريمة..
دمتم جميعا بود